الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قلت: وقد رُوي موصولًا عن ابن عباس أخرجه ابن مرديه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. وهذا إسناد ضعيف جدًّا، بل موضوع، فقد قال سفيان: قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب. والكلبي هذا اسمه محمد بن السائب، وقد كان مفسرًّا نسّابة أخباريًّا. وقال ابن حبان: كان الكلبي سبائيًّا من أؤلئك الذين يقولون: إن عليًّا لم يمت وأنه راجع إلى الدنيا، ويملؤها عدلًا كما ملئت جورًا، وإن رأوا سحابة قالوا: أمير المؤمنين فيها. قال: ومذهبه في الدين، ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، ويروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، لا يحل ذكره في الكتب، فكيف الاحتجاج به؟!وروي من وجوه أخرى عن ابن عباس سيأتي ذكرها، لا يصح شيء منها.8- عن الضحاك قال: في قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍ} الآيه [الحج:52] فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكه أنزل الله عليه في آلهة العرب، فجعل يتلو اللات والعُزّى، ويُكثر من ترديدها، فسمع أهل مكه النبي صلى الله عليه وسلم يذكر آلهتهم، ففرحوا بذلك، ودنوا يستمعون، فألقى الشيطان في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم: تلك الغرانيق العلى، ومنها الشفاعة ترتجى فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فأنزل الله عليه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍ} إلى قوله: {والله عليمٌ حكيمٌ (52)} [الحج].أخرجه ابن جرير (17:121) قال: حدثت عن الحسين يقول: سمعت معاذًا يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت معاذًا يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول: قلت: وهذا إسناد ضعيف منقطع مرسل، الضحاك هذا الظاهر أنه ابن مزاحم الهلالي الخرساني، هو كثير الإرسال، كما قال الحافظ، حتى قيل: إنه لم يثبت له سماع من أحد من الصحابه، والراوي عنه عبيد لم أعرفه، وابو معاذ الظاهر أنه سليمان بن أرقم البصري، وهو ضعيف، كما في التقريب، والراوي عنه الحسين هو ابن الفرج أبو على وقيل: أبو صالح، ويعرف بابن الخياط والبغدادي، وهو ضعيف متروك، وله ترجمه في تاريخ بغداد والميزان واللسان ثم شيخ ابن جرير فيه مجهول لم يُسَمَّ.9- عن محمد بن فضالة الظفري، والمطلب بن عبد الله بن حنطب قالا: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه كفًّا عنه، فجلس خاليًّا، فتمنى فقال: ليته لا ينزل على شيء ينفّرهم عني، وقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، ودنا منهم، ودنوا منه، فجلس يوما مجلسًا في ناد من تلك الأندية حول الكعبة، فقرأ عليهم {والنجم إذا هوى (1)} [النجم]، حتى إذا بلغ: {أفرأيتم الاّت والعزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)} [النجم]، ألقى الشيطان كلمتين على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ثم مضى، فقرأ السورة كلها، وسجد وسجد القوم جميعًا، ورفع الوليد بن المغيرة ترابًا إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخًا كبيرًا لا يقدر على السجود، ويقال: إن أبا أحيحة سعيد بن العاص أخذ ترابًا فسجد عليه رفعه إلى جبهته، وكان شيخًا كبيرًا، فبعض الناس يقول: إنما الذي رفع التراب الوليد، وبعضهم يقول: أبو أحيحة، وبعضهم يقول: كلاهما جميعًا فعل ذلك. فرفضوا بما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ولَكِن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، وأما إذ جعلت لها نصيبًا فنحن معك، فكبُر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم، حتى جلس في البيت، فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام، فعَرَض عليه السورة فقال جبريل: جئتك بهاتين الكلمتين؟!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلتُ على الله ما لم يقل، فأوحى الله إليه: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذًا لا تخذوك خليلًا (73) ولولا أن ثبتناك لقد كِدت تركنُ إليهم شيئًا قليلًا (74) إذًا لأذقناك ضعفَ الحياة وضعفَ المماتِ ثمّ لا تجدُ لك علينا نصيرًا (75)} [الإسراء]».أخرجه ابن سعيد في الطبقات (ج1 ق1 ص 137): أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني يونس بن محمد بن فضالة الظفري عن أبيه، قال: وحدثني كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قالا:قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًّا، لأن محمد بن عمر، هو الواقدي، قال الحافظ في التقريب: متروك مع سعة علمه. وشيخه في الإسناد الأول يونس بن محمد، ووالده محمد بن فضالة، لم أجد لهما ترجمة، ثم رأيت ابن أبي حاتم أوردهما (4:1:55 و4:2:246) ولم يذكر فيهما جرحًا ولا تعديلًا. وفي إسناده الثاني كثير بن زيد وهو الأسلمي المدني مُختَلف فيه، قال الحافظ: صدوق يخطيء.ثم هو مرسل فإن المطلب بن عبد الله بن حنطب كثير التدليس والإرسال، كما في التقريب. ولذلك قال القرطبي بعد أن ساق الرواية الثانية، وحُكي عن النحاس تضعيفها كما سبق نقله عنه هناك قال: قلت: فذكره مختصرًا ثم قال: قال النحّاس: هذا حديث مُنكَر منقطع، ولاسيما من حديث الواقدي.10- عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وهو بمكة، فأتى على هذه الآية: {أفرأيتم اللات والعزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)} [النجم] فألقى الشيطان على لسانه أنهن الغرانيق العلى فأنزل الله: {وما أرسلنا من قبلك } الآية [الحج: 52]، وكذا أورده السيوطي في الدرر المنثور (4:267) وقال: أخرجه ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ومن طريق أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة عن ابن عباس، ومن طريق سليمان التيمي عمن حدثه عن ابن عباس.قلت: فهذه طرق ثلاث عن ابن عباس وكلها ضعيفه، أما الطريق الأولى: ففيها الكلبي وهو كذّاب كما تقدم بيانه قريبًا، وأما الطريق الثانية: ففيها من لم يسمّ، وأما الطريق الثالثة: ففيها أبو بكر الهذلي. قال الحافظ في التقريب: أخباري متروك الحديث. لَكِن قد قرن فيها أيوب، والظاهر أنه السختياني، فلابد أن يكون في الطريق إليه من لا يُحتَج به لأن الحافظ قال في الفتح (8:355) بعد أن ساقه من الطرق الثلاث: وكلها ضعيف أو منقطع.وقد ذكر ما يفيد أن ابن مردويه أخرجها من طريق عباد بن صهيب، وهو أحد المتروكين، كما قال الحافظ الذهبي في ترجمته من الميزان.وله طريق رابع، أخرجه ابن جرير (17:120)، حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي. ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يُصلّي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب، فجعل يتلوها، فسمعه المشركون، فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه، فبينما هو يقول: {أفرأيتم اللات والعزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)} [النجم]، ألقى الشيطان: إن تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى، فجعل يتلوها، فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم فنسخها، ثم قال له: {وما أرسلنا من قبلك } الآية [الحج: 52].رواه ابن مردويه أيضًا كما في الدرر (4:366).قلت: وهذا إسناد ضعيف جدًّا، مُسَلسَل بالضعفاء: محمد ابن سعد، هو ابن محمد بن الحسن بن عطية بن جُنادة أبو جعفر العوفي ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد (5:322- 323) وقال: كان ليّنًا في الحديث.ووالده سعد بن محمد ترجمه الخطيب أيضًا (9:126- 127) وروى عن أحمد أنه قال فيه: لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، ولا كان موضعًا لذلك.وعمه هو الحسين بن الحسن بن عطية بن سعد، وهو متفق على ضَعفه ترجمه الخطيب (8:29- 32) وغيره.وأبوه الحسن بن عطية ضعيف أيضًا اتفاقًا، وقد أورده ابن حبان في الضعفاء وقال: مُنكَر الحديث، فلا أدري البَلِيّة منه أو من ابنه، أو منها معًا؟ ترجمته في تهذيب التهذيب. وكذا والده عطية، وهو مشهور بالضَّعف.
|